-->

القائمة الرئيسية

الصفحات

قناة السويس،تاريخها،حروبها و هل هي حقا للبيع ؟

https://yourwebsitecom.blogspot.com
photo adobe stock


         دفعوا مئة وعشرين الف ضحية من اجل حفرها، وعشرة آلاف شهيد من اجل تحريرها. قناة السويس هل هي للبيع حقا؟ وما هو ثمنها؟ 

    حين قدم نابليون إمبراطور الفرنسيين في حملته العسكرية الشهيرة إلى مصر، العام ألف وسبعمائة وثمانية وتسعين، جاء وفي خاطره فكرة أخرى غير الاستعمار، حيث أراد الحفر وتحقيق أحلام أوروبية قديمة تقضي بفتح ممر يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر حفر قناة بين البحرين. حلم كان من الاستحالة بمكان في زمان كان الحفر يعتمد فيه على الفأس، فكيف لقناة بهذا الطول أن تشق وبعمق يمكن السفن من الإبحار فيها؟ غادر نابليون مصر وغادرت معه فكرته وعادت إلى فرنسا. 

هناك لاحقا تلقفها أحد السياسيين الفرنسيين والذي يدعى ديليسبس والذي أدرك أن أحلام الأوروبيين لن تتحقق إلا بموافقة المصريين وحكام مصر، فبدأ تباعا بمحاولة إقناع حكام مصر آنذاك من أبناء محمد علي باشا، ولطالما قوبلت فكرته بالرفض ولأسباب عدة منها صعوبة الحفر، وثانيها كي لا تتحول مصر فريسة للاستعمار. فمرور قناة فيها تربط جنوب الكوكب بشماله كان بلا شك سيفتح شهية المستعمرين أكثر حتى وصل لحكم مصر أحد أبناء محمد علي من الذين يميلون للغرب ودرسوا فيه وهو الخديوي محمد سعيد باشا الذي منح الإذن لديليسبس العام ألف وثمانمئة وستة وخمسين للبدء بأعمال الحفر مع امتياز لشركته الفرنسية بتشغيل القناة وإدارتها لتسعة وتسعين عاما.


وعلى هذا انطلق مشروع قناة السويس التي تحولت مع مرور الزمن لواحدة من أهم المشروعات البحرية على الإطلاق، وبذات الأهمية تربعت على عرش الموارد المصرية الكبرى وعلى عرش المشاريع العملاقة التي شكلت اقتصاد مصر وسمعتها. فمصر في خيال الكثيرين حول العالم إذا ما سألتهم عنها من ضمن الإجابات المتعددة، قد تكون قناة السويس هي إحداها رفقة نيلها العظيم واهراماتها التي تخطف الأنظار والسد العالي الكبير. وقد تكلفت القناة طوال سنوات حفرها قرابة مئة وعشرين ألفا من أرواح المصريين والتي دفعوها لتقوم القناة و لتشق طريقها بين الرمال والجبال موصلة البحر الأحمر بالبحر الأبيض. وفعلا كان قد افتتح العمل في القناة ربيع العام ألف وثمانمئة وتسعة وخمسين، وانتهى خريف العام ألف وثمانمئة وتسعة وستين ليبدأ العمل فيها بعد افتتاح ضخم تاريخي لم تشهد له مصر مثيلا.

 وصحيح أن امتياز التشغيل كان للفرنسيين، إلا أن القاهرة احتفظت بنصيب لها في القناة، لكن شاءت الأقدار أن تمر مصر بضائقة مالية العام ألف وثمانمئة وخمسة وسبعين زمن الخديوي إسماعيل .اضطر خلالها لبيع حصة المصريين من أسهم القناة بمبلغ مائة مليون فرنك فرنسي آنذاك، ثم تقلص المبلغ بفعل تراجع الأرباح إلى قرابة اثنين وعشرين مليون فرنك. ولاحقا ووفق اتفاقات انجليزية فرنسية، سعى الأوروبيون لمد الامتياز للهيمنة على القناة ومواردها ليتجاوز المئة عام المتفق عليها، حيث بدلا من أن ينتهي العام ألف وتسعمائة وتسعة وستين كان سيمتد حتى العام ألفين وثمانية.


ومصر آنذاك كانت ما زالت تحت نير الاستعمار الإنجليزي الذي فاوض الفرنسيين من أجل هذا القرار. لكن لاحقا اندلعت في مصر ثورة العام ألف وتسعمئة وتسعة عشر والتي عطلت المشروع. وبعدها بعقود اندلعت ثورة أخرى قادها ضباط من الجيش المصري تحت قيادة جمال عبد الناصر مكنت المصريين العام ألف وتسعمائة وستة وخمسين من تأميم القناة رغما عن الأوروبيين، ما أدى لاندلاع حرب العام ألف وتسعمائة وستة وخمسين، والتي على إثرها جرى ما يعرف تاريخيا بالعدوان الثلاثي على مصر من قبل فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، وانتهى بانسحابهم جميعا ما أمن نصرا معنويا كبيرا للمصريين. أعطى شعبية جارفة للزعيم عبد الناصر الذي رسخ مشروع القناة كأحد أملاك الدولة غير القابلة للمساس حتى جرت حرب أخرى العام ألف وتسعمئة وسبعة وستين. فيها منيت القاهرة بهزيمة كبيرة أمام الإسرائيليين، وانتهى الأمر باحتلال سيناء وتعطيل قناة السويس إلى أجل غير مسمى حتى العام ألف وتسعمئة وثلاثة وسبعين. حينها خاض الجيش المصري معركة أكتوبر الشهيرة، واضعا نصب عينيه عبور القناة إلى ضفافها الأخرى، ليعلن سيادته عليها في ذات العام بعد نصر تاريخي للمصريين تكلفوا فيه قرابة عشرة آلاف شهيد. ومنذ ذلك التاريخ وقناة السويس مثلت لمصر أكثر من ممر مائي يمر عبر أراضيهم وأكثر من مشروع لربط البحار، فتحولت إلى أحد أهم روافد اقتصادهم بالعملة الصعبة والشركات التي تشغل آلاف المصريين.


والأهم من ذلك كله باتت رمزا وطنيا غير قابل للمس، فهي عنوان لسيادة المصريين على أرضهم وبحرهم. ومشروع وطني ملك لعموم المصريين. وتباعا مع الوقت زادت مداخيل القناة في سنوات عديدة، وقللت بسنوات أخرى وفق ما يجري في العالم من أزمات.

 لكن مع قدوم الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة العام ألفين وأربعة عشر، قرر طرح اسمه للمصريين عبر مشروع توسعة للقناة كلف الكثير وتم إنجازه في سنة تقريبا. مشروع دفع بأسهم القناة للمزيد من الارتفاع ورفع معه المداخيل حتى عصفت جائحة كورونا بالعالم وأثرت على مردود القناة. لكن بعد انقضاء الجائحة واندلاع حرب روسيا وأوكرانيا قفزت أسهم القناة للأعلى وارتفعت معها المداخيل حتى بلغت ذروتها العام ألفين واثنين وعشرين بدرها لقرابة سبعة مليارات دولار على جيوب المصريين.

 ومع صدور هذا الرقم الكبير وغير المتوقع، خرج خبر يتعلق بالقناة هز أركان الشارع المصري، حيث تقدمت الحكومة المصرية بمشروع قرار لمجلس النواب يتعلق بتأسيس صندوق يتبع القناة، ويحق له بيع واستئجار الأصول، ولم يحدد القانون بداية أي أصول. فجرت ضجة عارمة في الشارع المصري الذي تخوف من بيع أصول القناة للمستثمرين، وهذا أمر من الخطوط الحمراء بالنسبة للمصريين، وسريعا خرجت هيئة القناة والحكومة للتوضيح بأن بيع الأصول المقصود هو بيع ما يمتلكه الصندوق الجديد.


وليس للأمر علاقة بالقناة. هذا ما أعاد التذكير به أيضا رئيس مجلس النواب المصري بكلمة وجهها للنواب المصريين، فالقناة مملوكة للدولة والشعب وستبقى. وهذا الصندوق المزمع إقامته ما هو إلا استثمار للأموال الفائضة من مردود القناة، والتي ارتفعت في السنوات الأخيرة، وتحديدا تلك التي أعقبت أزمة كورونا. إذن وفق ما استقر إليه الحال، فالقناة التي قد تتجاوز تكلفتها مئات المليارات، والتي لا تقدر بثمن وقيمتها أكبر من الأموال بكثير هي مصرية وستبقى كذلك.


تعليقات